- فالدولة الثيوقراطية: دولة دينية سادت أوروبا وحدها في القرون الوسطى الميلادية، انفردت فيها الكنيسة ومَن ارتضتهم مِن الحكام بسلطة الحكم وسلطة التشريع في ظل اعتقاد بعصمة الكنيسة وقدسيتها وتفويض الرب لها.
2- أما الدولة المدنية: فهي دولة سادت أوروبا بعد عصر النهضة، أخذت بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة؛ لتتخلص مِن استبداد الكنيسة وأعوانها، ...دولة ينفرد فيها الشعب بفئاته وطوائفه بسلطة الحكم بالتمثيل والاختيار، وبسلطة التشريع في ظل الاعتقاد بحق الشعب في أن يشرع لنفسه ما يراه صالحًا له ونافعًا.
3- أما الدولة الإسلامية: فهي دولة حكمت المسلمين لقرون طويلة بشرع الله -تعالى-، لا تفصل الدين عن الدولة، دولة سلطة الحكم فيها للشعب، ولكن سلطة التشريع والتقنين فيها للشرع، أي أن الدولة الإسلامية توافق في المضمون الدولة المدنية مِن جهة أن السلطة الحاكمة فيها مِن الشعب، وتخالف الدولة المدنية في أن سلطة التشريع فيها للشرع، لا مِن الشعب، فليس للشعب فيها حق التشريع.
فالدولة الإسلامية تتناقض تمامًا مع الدولة الثيوقراطية؛ إذ تجعل سلطة الحكم مِن الشعب بجميع طوائفه ولا تقصرها على رجال الدين، ومَن ارتضوه مِن الملوك دون غيرهم، وهي تجعل سلطة التشريع لشرع الإسلام، وترفض أن يتحاكم الناس إلى رجال الدين أو غيرهم، وترى التحاكم لغير شرع الله -تعالى- كفر، وخروج عن الدين؛ لكونه تحاكم لطاغوت.
ومعلوم أن الإسلام لا يعرف طبقة رجال الدين كما عرفتها الكنيسة، وإنما هناك علماء في الدين درسوه وفهموه، ونبغوا فيه علمًا وعملاً، وأي فرد يمكنه أن يكون منهم إذا حذا حذوهم، وهؤلاء العلماء تسترشد الأمة بعلمهم، فهم فئة لها دورها الهام في الأمة، قد يكون منهم مَن تختاره الأمة ليكون عضوًا في السلطة الحاكمة، أو أهل الحل والعقد، وقد يكون مواطنًا كغيره يعمل ويجتهد في خدمة دينه ثم أمته بعلمه بعيدًا عن أمور السياسة المباشرة، وهم قبل ذلك وبعده لا قداسة لهم ولا عصمة، وإن نالوا حب الناس وتقديرهم لما هم عليه من العلم والصلاح.
وقد يقول قائل بعد ذلك البيان: هل تستطيع الشريعة الإسلامية أن تفي بكل مطالب الأمم في كل زمان ومكان، وتقوم بشئون العباد مع تطور الحياة في جوانبها المختلفة تطورًا كبيرًا في التاريخ البشري الحديث؟!
والجواب: إن من خصائص الشريعة الإسلامية الهامة أنها منهج للحياة يصلح في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة؛ إذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين والرسل، وشريعته نسخت ما قبلها مِن الشرائع، فهي الواجب التحاكم إليها إلى قيام الساعة، ولهذا فما ناحية مِن نواحي الحياة إلا وتناولتها الشريعة ببيان الحلال والحرام، والصحيح والفاسد، يدخل في ذلك: العقائد والعبادات، والمعاملات ونظام الأسرة، وشئون الحكم وقضايا الاقتصاد وحياة الفرد الشخصية وعلاقة الأمة بغيرها مِن الأمم في السلم والحرب.