الواحة المحمدية

نتناول في هذه الواحة العطرة أطهر سيرة وهى سيرة النبي فسيرته مثال يحتذي ونبراس
يقتدي .. وبالوقوف على سيرته تحيا القلوب وباقتفاء آثاره تحصل السعادة وتكون القدوة
بجميل الخصال ونبيل المآثر والفعال .
وسيرته منهج حياة متكامل نعرف من خلالها كيف نعيش الأسوة والقدوة الحقيقية وكيف نعيش الحياة الطيبة التي
لا تكون الإ في ظل الإيمان بالله عزوجل واقتفاء أثر رسول الله بأن نلتزم سنته وأن ندعو بدعوته
صلى الله عليه وسلم وأن نعرف كيف استطاع النبي في فترة وجيزة – لا تساوى في عمر الزمان
شيئاً – أن يصنع رجالا أطهارا وأن يقيم بهم دولة للإسلام في وسط هذا الركام الهائل من الجاهلية الجهلاء .
* فما أحوجنا – والله – في هذا الزمان إلى أن نتعايش مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى أخرها لنأخذ
منها العظة والعبرة ونعيش الأسوة والقدوة ....فهو الحبيب المصطفى الذي اصطفاه الله لنفسه
وصنعه ورباه على عينه ليربى به الأمم والأجيال عبر العصور والأزمان فهو خاتم الرسل وذروة الصلاح الذي
وصل السماء بالأرض والدنيا بالآخرة .
* سوف نتعايش مع هذه السيرة العطرة هنا في هذه الواحة والتي أسأل الله أن تكون واحة
خير وأن تكون حجة لنا لا علينا عسى أكون بتناولي لهذه السيرة العطرة قد قدمت شيئاً ينفعني [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ
وَلَا بَنُونَ] {الشعراء:88} وقد قمت بتلخيصها من كتب تعتبر من أفضل الكتب التي تناولت السيرة النبوية وقد
قرأت هذه الكتب وهى ( زاد المعاد لابن القيم – وكتاب هذا الحبيب محمد )





نبدأ هذه الواحة بسم الله :

* نسبه :

هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق , فلنسبه من الشرف أعلى ذروة فهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة اليأس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ( إلى ههنا معلوم الصحة ) متفق عليه بين النسابين , ولا خلاف فيه ألبته , وما فوق عدنان مختلف فيه , ولا خلاف بينهم إن : عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام .





مولده :

لا خلاف إن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين , واختلف في شهر المبعث , فقيل لثمان مضين من ربيع الأول , سنة إحدى وأربعين من عام الفيل هذا قول الأكثرين .






* الصفات الخلقية للحبيب :

كان رسول الله أزهر اللون ( أبيض مستنير مائل إلى الحمرة ) واسع الجبين , أدعج العينين ( الدعج سدة سواد العينين مع سعتهما ) , وقيل أكحل , أهدب الأشفار
( طويل الأشفار ) مفلج الأسنان كث اللحية تملأ صدره , عظيم المنكبين , رحب الكفين
والقدمين , ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد , رجل الشعر (في شعره حجونه
أي تثن قليل ) يضرب شعره إلى منكبيه , إذا تكلم رؤى كالنور يخرج من ثناياه .
ضخم الرأس والكراديس في وجهه تدوير , ذا مشربه ( الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة )
إذا مشى تقلع كأنما ينحط في صبب ( أي يمشى بقوة , والصبب الحدور ) يتلألأ وجهه



كالقمر ليلة البدر , حسن الصوت , سهل الخدين , ضليع الفم , سواء البطن والصدر , أشهر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر طويل الزندين , رحب الراحة , منهوس العقبين ( أي قليل لحم العقب ) بين كتفيه خاتم النبوة كزر الحجلة , وكبيضة الحمامة , وكان إذا مشى كأنما تطوى له الأرض ويجدون في لحاقه وهو غير مكترث , وكان يسدل شعر رأسه ثم فرقه , وكان يرجله ويسرح لحيته , ويكتحل بالإثمد كل ليلة في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم .










* أسماءه وكناه :

قال الإمام ابن القيم : أسماؤه نوعان :

1- خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل , كمحمد , وأحمد , والعاقب , والحاشر , والمقفى , ونبي الملحمة .

2- ما يشاركه في معناه غيره من الرسل , ولكن له منه كماله , فهو مختص بكماله
دون أصله , كرسول الله , ونبيه , وعبده , والشاهد , والمبشر , والنذير , ونبي الرحمة ,
ونبي التوبة .

أما كنيته فكان صلى الله عليه وسلم يكنى ( أبا القاسم ) بولده القاسم وكان أكبر أولاده .





أمهاته اللاتي أرضعنه :

منهم ثويبه مولاة أبى لهب , أرضعته أياما وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله ابن عبد الأشد المخزومي بلبن ابنها مسروح وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب .
ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله اخى انيسه وجذامه وهى الشيماء أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي , وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب , وكان عمه حمزة مسترضعا في بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول الله يوما وهو عند أمه حليمة فكان حمزة رضيع رسوا الله من وجهين : من جهة ثويبة ومن جهة السعدية .







* حواضنه

منهن أمه آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب , ومنهن ثويبة وحليمة والشيماء ابنتها وهى أخته من الرضاعة كانت تحضنه مع أمها .
ومنهن الفاضلة الجليلة أم أيمن بركة الحبشية وكان ورثها من أبيه وكانت دايته وزوجها من حبه زيد بن حارثة فولدت له أسامة وهى التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي وهى تبكى فقالا : يا أم أيمن ما يبكيك فما عند الله خير لرسوله ؟ فقالت : أنى اعلم إن ما عند الله خير لرسوله وإنما أبكى لانقطاع خبر السماء فهيجتهما على البكاء فبكيا

*أزواج النبي ( أمهات المؤمنين ):

( 1 ) خديجة بنت خويلد : القرشية الاسدية تزوجها قبل النبوة , ولها أربعون سنة , ولم يتزوج عليها حتى
ماتت , وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم , وهى التي آزرته على النبوة , وجاهدت معه , وواسته بنفسها
ومالها , وأرسل الله إليها السلام مع جبريل , وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها , وماتت قبل الهجرة
بثلاث سنين.

( 2 ) سودة بنت زمعة القرشية : تزوجها بعد موت السيدة خديجة بأيام وهى التي وهبت يومها لعائشة .

( 3 ) عائشة الصديقة بنت الصديق ( أم عبد الله ) :المبرأة من فوق سبع سموات , حبيبة رسول الله , وعرضها عليه الملك قبل نكاحها في سرقة من حرير وقال : " هذه زوجتك " , تزوج بها في شوال وعمرها ست سنوات , وبني بها في شوال في السنة الأولى من الهجرة وعمرها تسع سنين , ولم يتزوج بكراً غيرها , وما نزل الوحي عليه في لحاف امرأة غيرها , وكانت أحب الخلق إليه , ونزل عذرها من السماء , واتفقت الأمة على كفر قاذفها , وهى افقه نسائه وأعلمهن , بل افقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق , وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .

( 4 )حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وذكر أبو داوود انه طلقها , ثم راجعها .

( 5 )زينب بنت خزيمة بن الحارث : القيسية من بني هلال بن عامر , وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .

( 6 ) أم سلمة هند بنت أبى أمية : القرشية المخزومية وهى آخر نسائه موتاً .

( 7 ) زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة : هي ابنة عمته اميمة , وفيها نزل قوله تعالى : ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا] {الأحزاب:37} وبذلك كانت تفتخر على نساء النبي وتقول : زوجكن أهاليكن , وزوجني الله من فوق سبع سماوات .ومن خواصها إن الله سبحانه وتعالى كان وليها الذي زوجها لرسوله من فوق سماواته , وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب , وكانت أولاً عند زيد بن حارثة , وكان رسول الله تبناه , فلما طلقها زيد , زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوه , وبخاصة وان الإسلام أبطل التبني بعد ذلك .



( 8 ) جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية : كانت من سبايا بني المصطلق , فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتوجها .

( 9 ) أم حبيبة ( رمله بنت أبى سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية :تزوجها وهى ببلاد الحبشة مهاجرة , وأصدقها عنه النجاشي ااربعمائة دينار , وسيقت إليه من هناك , وماتت في أيام أخيها معاوية .

( 10 ) صفية بنت حيى بن اخطب سيد بني النضيرمن ولد هارون ابن عمران اخى موسى , فهي ابنه نبي , وزوجة نبي , وكانت من أجمل نساء العالمين , وكانت قد صارت له من السبي أمة فأعتقها , وجعل عتقها صداقها .

( 11 ) ميمونة بنت الحارث الهلالية : هي أخر من تزوج بها , تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد ا حل منها على الصحيح .

* فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن , وأما من خطبها ولم يتزوجها , ومن وهبت نفسها , ولم يتزوجها , فنحو أربع أو خمس .

* وقد توفى عن تسع , وكان يقسم منهن لثمان : عائشة , وحفصة , وزينب بنت
جحش , وأم سلمة , وصفية , وأم حبيبة , وميمونة , وسودة , وجويرية

* وأول نسائه لحوقاً به بعد وفاته زينب بنت جحش سنة عشرين , وأخرها موتاً أم سلمة سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد , والله أعلم .


* أولاد النبي

قال النووي رحمه الله :

كان له ثلاثة بنين : القاسم وبه كان يكنى ولد قبل النبوة , وتوفى وهو ابن سنتين .

الثاني : عبد الله وسمى الطيب والطاهر , لأنه ولد بعد النبوة وقيل الطيب والطاهر غير عبد الله والصحيح الأول .

الثالث : إبراهيم ولد بالمدينة سنة ثمان , ومات بها سنة عشر , وهو ابن سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر .

وكان له أربع بنات :

- زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد .

- فاطمة تزوجها على بن أبى طالب رضي الله عنه .

- رقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان , تزوج رقيه ثم أم كلثوم , وتوفيتا عنده , ولهذا سمى ذا النورين , توفيت رقيه يوم بدر في رمضان سنة اثنتين من الهجرة , وتوفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع من الهجرة .

فالبنات أربع بلا خلاف والبنون ثلاثة على الصحيح , وأول من ولد له القاسم , ثم زينب , ثم رقية ثم أم كلثوم , ثم فاطمة , وجاء إن فاطمة أسن من أم كلثوم .

وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فانه من ماريه القبطية , وكلهم توفوا قبله إلا فاطمة , فإنها
عاشت بعده ستة أشهر على الأصح الأشهر .

* مبعثه صلى الله عليه وسلم وأول ما نزل عليه :

بعثه الله على رأس أربعين وهى رأس الكمال قيل ولها تبعث الرسل , وأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه من أمر النبوة الرؤيا الصادقة , فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح قيل وكان ذلك ستة أشهر ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزء والله أعلم .

ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة فجاءه الملك وهو بغار حراء وكان يحب الخلوة فيه , فأول ما أنزل عليه : [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} وهذا قول عائشة والجمهور , وقال جابر : أول ما أنزل عليه : [يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ] {المدَّثر:1} والصحيح قول عائشة لوجوه :

أحدها : أن قوله ما أنا بقارئ صريح في أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئاً .

الثاني : الأمر بالقراءة في الترتيب قبل الأمر بالإنذار فانه إذا قرأ في نفسه انذر ما قرأه فأمره بالقراءة أولاً ثم بإنذار ما قرأه ثانيا.

الثالث : إن حديث جابر وقوله أول ما انزل من القرآن ([يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ] قول جابر وعائشة أخبرت عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بذلك .

الرابع : إن حديث جابر الذي احتج به صريح في انه قد تقدم نزول الملك عليه أولا قبل نزول ([يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ]

فانه قال فرفعت رأسي فإذا بالملك الذي جاءني بحراء فرجعت إلى اهلى فقلت زملونى دثروني فأنزل الله ([يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ] وقد اخبر إن الملك الذي جاءه بحراء انزل عليه [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] فدل حديث جابر على تأخر نزول ([يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ] والحجة في روايته والله اعلم .

ترتيب الدعوة ولها مراتب :

المرتبة الأولى : النبوة .

المرتبة الثانية : إنذار عشيرته الأقربين .

المرتبة الثالثة : إنذار قومه .

المرتبة الرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة .

المرتبة الخامسة : إنذار جميع من بلغته دعوة من الجن والإنس إلى أخر الدهر .





* وأقام صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين يدعو الله سبحانه مستخفيا ثم نزل عليه [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94} فأعلن صلى الله عليه وسلم بالدعوة وجاهز قومه بالعداوة واشتد الأذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن لهم بالهجرتين .











google_protectAndRun("render_ads.js::google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);